وداعا فاضل الربيعي

بقلم: عمر شانا
توفي الكاتب والباحث العراقي فاضل الربيعي في العاصمة الهولندية أمستردام عن عمر يناهز 73 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا فكريًا غنيًا ومثيرًا للجدل.
في شبابه، انخرط الربيعي في الحزب الشيوعي العراقي، متأثرًا بالمدّ الفكري والسياسي الذي اجتاح العالم في تلك الفترة. لكن رحلته الفكرية لم تتوقف عند الأيديولوجيا السياسية، بل سرعان ما توجه إلى الأدب والتاريخ والأساطير، حيث وجد نفسه أكثر حرية في التعبير عن رؤاه النقدية والفكرية.
بدأ الربيعي مشواره الأدبي ككاتب قصصي في السبعينيات، وأصدر مجموعته الأولى “الشمس في الجهة اليسرى” عام 1970، ثم انتقل إلى الرواية، حيث أصدر “عشاء المأتم” عام 1984، والتي كانت بمثابة مراجعة نقدية لتجربته داخل الحزب الشيوعي. ومع مرور السنوات، تحول اهتمامه إلى دراسة التاريخ القديم والأساطير، ليصبح أحد أبرز الباحثين في إعادة قراءة التاريخ بمنظور جديد.
كان الربيعي من المفكرين القلائل الذين تجرؤوا على إعادة النظر في الروايات التاريخية الراسخة، مقدّمًا أطروحات مثيرة للجدل تتحدى المسلمات التقليدية. من أشهر أعماله “فلسطين المتخيلة” و”القدس ليست أورشليم” و”حقيقة السبي البابلي”، حيث طرح فرضيات جديدة حول مواقع الأحداث التوراتية، مؤكداً أن تلك الروايات لا تعكس حقائق جغرافية دقيقة، بل هي تأويلات متراكمة عبر التاريخ.
لجأ الربيعي إلى هولندا عام 1996، وحصل على جنسيتها لاحقًا، حيث واصل أبحاثه وكتاباته التي دعت إلى مراجعة النصوص التاريخية بعين نقدية، بعيدًا عن التفسيرات التقليدية. كان يؤمن بأن دراسة التاريخ يجب أن تستند إلى منهج يجمع بين اللغويات، والأنثروبولوجيا، والأساطير، معتبرًا أن العديد من الروايات التاريخية قد تكون تشويهات سياسية أو ثقافية، وليست حقائق مطلقة.
من بين أطروحاته الأكثر إثارة للجدل، زعمه بأن “مصر” المذكورة في القرآن والتوراة ليست مصر الحالية، بل تقع في اليمن، وأن السبي البابلي لم يحدث في بابل العراق، بل في منطقة أخرى تمامًا. وقد أثارت هذه الآراء نقاشات واسعة بين الباحثين والمؤرخين، حيث قوبلت أطروحاته بالتشكيك والمعارضة من قبل العديد من المختصين.
لكن بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع أفكاره، لا يمكن إنكار أن الربيعي قد كسر حاجز التكرار في دراسة التاريخ، وفتح المجال لنقاشات جديدة حول أصول الحضارات والمرويات الدينية. لم يكن يسعى إلى إثبات هوية جغرافية أو دينية محددة، بل كان يبحث عن الحقيقة بمعزل عن الحدود والانتماءات الضيقة.
اليوم، بعد رحيله، يظل فاضل الربيعي شخصية فكرية استثنائية في المشهد الثقافي الإنساني، حيث ستبقى أطروحاته مثار جدل ونقاش لعقود قادمة، حاملة معها دعوته الدائمة لإعادة النظر في المسلمات التاريخية والبحث عن الحقيقة بروح حرة ومنفتحة.
#philosophy_against_barbarism#ماتبقاش_غير_متفرج#إيمازيغن#جمعية_إنطلاقة#إنطلاقة_جديدة_لعالم_جديد#تنوير#peace#freedom#love#imazighn_culture