الكواكب الخارجية، بين العلم والدين.

بقلم: حماد عاشور.
تعد فكرة إمكانية وجود عوالم متعددة تستضيف أشكال حياة خارج كوكب الأرض، فكرة قديمة جدا، فقد قال الفيلسوف الإغريقي أبيقور (413- 270 ق.م.) إن “هناك عوالم لا حصر لها تشبه عالمنا هذا وتختلف عنه ويجب أن نؤمن بأنه توجد في كل العوالم كائنات حية ونباتات وغيرها من الأشياء التي نراها في هذا العالم”.
من جهته، رفض أرسطو (- 384 322ق.م.) مفهوم تعدد العوالم الكوكبية، معتبرا أن الأرض فريدة وثابتة ومركز الكون، تدور حولها الأجرام السماوية.
وقد تبنت الكنيسة الكاثوليكية فلسفة أرسطو التي تحولت من نموذج يفسر الطبيعة إلى نموذج يلبي مطالب نصوص دينية، وبالتالي أصبح تغييرها شبه مستحيل لأن تحديها يعني تحدي كلام الله.
وهاجم الفيلسوف الإيطالي جيوردانو برونو (1600-1548م) منظومة مركزية الأرض، وقال إن “الكون لا نهائي والنجوم التي نراها تشبه شمسنا وتدور حولها كواكب مثل الأرض تعج بالحياة”.
وذهب “برونو” بعيدا، إذ رأى أن الكون ليس له مركز على الإطلاق، ونحن نعلم اليوم أن برونو كان على حق.
واعتبرت الكنيسة تصريحات برونو بمثابة تهجم على الكتب المقدسة، وحكم عليه بالإعدام وتم إحراقه حيا بعد أن رفض التراجع عن آرائه، لكن ظلت كل نصوصه في قائمة الكتب الممنوعة إلى غاية 1966.
كان علينا انتظار أربعة قرون لإثبات فكرة برونو، إذ تم خلال سنة 1995 اكتشاف أول كوكب خارج المجموعة الشمسية يسمى ” Pegasi 51 B” الذي يقع على بعد 48 سنة ضوئية من الأرض.
ومنحت جائزة نوبل سنة 2019 لعالمين سويسريين لاكتشافهما لهذا الكوكب الذي يعد بداية لثورة مهمة في علم الفلك، إذ يصل عدد الكواكب المكتشفة حاليا إلى أزيد من 6 آلاف كوكب، والقائمة تزداد تقريبا أسبوعيا ليحقق برونو انتقامه.
وللتذكير، هناك مئات مليارات من المجرات في الكون وكل مجرة تحتوي على مئات مليارات من النجوم، فإذا كان كل نجم يدور حوله، بالمعدل، كوكب واحد، يصبح عدد الكواكب، في مجرتنا وحدها، مئات مليارات. ومن الأرجح أن عدد الكواكب في مجرتنا يفوق عدد النجوم.
لقد حطم برونو وغيره من العلماء، الذين كانوا ضحية حرية الفكر، قصص الأديان على محك الواقع، إذ لا توجد أي علاقة بين تفسير الأديان للكون، المبني على الغيبيات، والمنهج العلمي الذي أساسه التساؤل والتجربة والرصد والتفكير النقدي.
فكلما اصطدمت الحقائق العلمية بالدين إلا وانتصر العلم. وهكذا ساد العقل على الإيمان واتخذ العلم والدين مسارات مختلفة.
#حماد عاشور
