ذكرى 20 فبراير أين هي الحرية و الكرامة و العدالة الإجتماعية و المساواة الفعلية؟
بقلم: عمر شانا
في الذكرى السنوية لحراك 20 فبراير، كان من الضروري التوقف عند كيفية استغلال حزب العدالة والتنمية للحراك للوصول إلى السلطة،رغم أنها لم تكن جزءا من الحراك،و رفض اليسار خوض معركة الإنتخابات في حينها، بينما تم تفريغ الساحة من القوى الأكثر راديكالية، وعلى رأسها جماعة العدل والإحسان. بدل أن يكون الحراك نقطة انطلاق لإعادة التوازن للقوى التقدمية، استُغل كأداة لإعادة تشكيل المشهد السياسي بما يخدم التيارات المحافظة التي لا تحمل أي مشروع تحرري حقيقي، يجيب على أسئلة المرحلة و تنزيل شعار الحراك: حرية،كرامة،عدالة آجتماعية والمساواة الفعلية.
بداية لا أحد يمكن أن يناقش أنه لطالما حمل اليسار في جوهره مشروعًا تحرريًا، يرتكز على قيم العدالة الاجتماعية والمساواة ورفض كل أشكال الهيمنة، سواء كانت اقتصادية أو ثقافية أو دينية. إلا أن مسار اليسار المغربي، في علاقته بالإسلام السياسي، يكشف عن تناقض صارخ بين المبادئ التي ناضل من أجلها و دفع ثمنها من دماء و سنوات من القمع و السجن للدفاع عنها وبين مواقفه الفعلية التي انتهت إلى التنازل عن الكثير من ثوابته،
أنطونيو غرامشي كان قد أشار إلى أهمية “حرب المواقع” في الصراع السياسي، حيث تسعى القوى المختلفة للتموضع داخل الدولة والمجتمع المدني لإعادة تشكيل التوازنات. في هذا السياق، يمكن القول إن العدالة والتنمية فهم هذه الديناميكية واستفاد منها، بينما ظل جزء كبير من اليسار مترددًا بين التماهي مع الإسلاميين أو التراجع أمامهم، رغم أن التاريخ لا يخلو من أمثلة عدة تظهر حربائية الإسلام السياسي.بالمقابل يمكننا أن نرى الآن بوضوح أن إحدى أخطر المغالطات التي وقع فيها اليسار المغربي هي اختزال القضية الأمازيغية في بعد عرقي، في حين أن الأمازيغية تمثل هوية وطنية متجذرة، تشكّل حصنًا ضد الذوبان داخل شمولية الإسلام السياسي. فالتاريخ أثبت أن الحركات الإسلامية، خاصة في صيغها السياسية، ليست سوى أدوات بيد الإمبريالية، تُستخدم لتفكيك الأوطان وإضعاف السيادات الوطنية عبر خلق تناقضات داخلية تصرف الشعوب عن معاركها الحقيقية.
ليون تروتسكي، في تحليله للحركات القومية والدينية، نبّه إلى أن الدين حين يتم توظيفه سياسيًا يصبح أداة رجعية بيد الأنظمة الاستبدادية والإمبريالية، تمامًا كما حدث مع الإسلام السياسي الذي استُخدم لإجهاض المشاريع الوطنية التحررية، سواء في المغرب أو في الشرق الأوسط.
و لكي لا نتيه في سراديب التاريخ الوسيط ففقط التاريخ الحديث يبرهن أن الإسلام السياسي لم يكن يومًا قوة تحررية، بل على العكس، كان في صلب التواطؤ مع القوى الرجعية والإمبريالية. فمنذ صعود الحركات الإسلامية إلى الساحة السياسية، لم نرَ منها سوى محاولات منهجية لضرب التعددية، قمع الحريات، والتضييق على الفكر النقدي. و هذا يحيلنا إلى إرنست مندل، في تحليله للبنى الاقتصادية للإمبريالية، حيث أشار إلى أن التيارات الرجعية غالبًا ما يتم استغلالها من قبل القوى الكبرى لضمان استمرار الهيمنة. الإسلام السياسي، بوصفه أيديولوجيا شمولية، لا يتردد في استخدام العنف والخطاب الديني لتفكيك وحدة الشعوب تحت ذرائع دينية. و بذلك رغم أن الفكر اليساري في جوهره يدافع عن حقوق الشعوب، إلا أن جزءًا كبيرًا من اليسار المغربي استسلم لشعارات القومية العربية، متجاهلًا أن الأمازيغية ليست عقبة أمام التحرر، بل جزء من مقاومة الهيمنة والاستلاب. كما أن بعض التيارات اليسارية اعتبرت الإسلام السياسي حليفًا مرحليًا ضد التسلط و الإستبداد، مع إدراكهم أن هذا التيار نفسه يحمل مشروعًا معاديًا لقيم الحرية والتعددية، و هنا نعود مرة ثانية إلى مندل حين قال: “الحرية لا تتجزأ، وما يُفرض باسم الدين أو القومية يكون دائمًا على حساب الطبقات الكادحة”. ومن هذا المنطلق، فإن أي مشروع تحرري حقيقي لا يمكنه أن يتجاهل البعد الأمازيغي في النضال الديمقراطي بالمغرب. و بعودة بسيطة إلى التاريخ الحديث نجد نموذج بوجمعة هباز ورفاقه الذين كانوا من الأوائل الذين أدركوا أن الأمازيغية ليست قضية ثقافية فقط، بل معركة سياسية واجتماعية ضد التهميش والاستبداد. هباز، الذي نشط داخل الحركات اليسارية، كان يرى أن الدفاع عن الأمازيغية هو جزء من معركة العدالة الاجتماعية. رفاقه، مثل موحا مزيان وعلي صدقي أزايكو، ساهموا في نشر الوعي بضرورة التحرر من الثنائية الزائفة بين العروبة والإسلام السياسي إذ ساهم هؤلاء المناضلون في بناء وعي جديد داخل الحركات التقدمية، وطرحوا مسألة الأمازيغية كعنصر أساسي في مشروع ديمقراطي شامل، يرفض الاستبداد بكل أشكاله. لقد أثبتوا أن الدفاع عن الهوية الأمازيغية لا يتعارض مع التضامن مع قضايا التحرر العالمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي حاولت بعض التيارات استغلالها لشيطنة كل فكر تحرري خارج القومية العربية.
و بالتالي، إن استعادة اليسار المغربي لدوره التاريخي يقتضي مراجعة نقدية عميقة لمواقفه من الإسلام السياسي، والقومية العربية، والأمازيغية. عليه أن يدرك أن القضية الأمازيغية ليست نزعة عرقية، بل معركة من أجل التعددية والحداثة والديمقراطية. كما عليه أن يكفّ عن تبرير تنازلاته باسم الواقعية السياسية، لأن هذه التنازلات لم تؤدِّ إلا إلى إضعافه وتفككه.لقد آن الأوان لليسار أن يتصالح مع مبادئه التحررية الحقيقية، بعيدًا عن التحالفات الانتهازية والخطابات المتناقضة، وأن يستعيد موقعه كقوة تقدمية تُدافع عن الديمقراطية المنسجمة مع هويته الإنسانية و نظرته لتطور التاريخ، وليس وفق حسابات ظرفية ضيقة.
